تعتزم مؤسسّة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث
تنظيم محاضرة علمية تحت عنوان: "الفكر الديني وسؤال الإصلاح"
يلقيها الكاتب والباحث/ د. محمد الحداد (تونس)
يدير المحاضرة ذ. عبد الله إدلكوس (المغرب)
بتاريخ السبت 6 دجنبر 2014م عند الساعة4:00 بعد الزوال
بقاعة صالون جدل الثقافي بحي أكدال.
مدينة الرباط - المغرب.
نشأ سؤال الإصلاح في الفكر الديني المعاصر منذ التحوّلات النوعية التي
شهدتها البشريّة مع حلول العصر الحديث، وبما أن المنطقة الإسلاميّة قد
واجهت الحداثة متأخّرة، في القرن التاسع عشر، فإنّها بدأت بدورها تواجه
سؤال الإصلاح في هذا القرن. ولقد كان الإصلاح الديني جزءاً أساسياً من
الفكر الكوني للحداثة منذ القرن السادس عشر إلى الثلث الأوّل من القرن
العشرين، ومثّل جزءًا لا يقلّ أهميّة عن الفكر العربي التنويري في القرن
التاسع عشر قبل أن يختفي في عصر الأيديولوجيا؛ أي القرن العشرين، دون أن
يحقّق طموحاته وأهدافه. كما أن الفكر العربي قطع نفسه في القرن العشرين عن
تطوّرات الفكر الديني الكوني، وظلّ يقرأ كانط منفصلاً عن بروتستانيته،
وماركس منفصلاً عن الثقافة اليهوديّة التنويريّة، وهايدغر منفصلاً عن قضايا
الهرمينوطيقا الدينية، وغاب عنه الاهتمام ببوسيه وبنجمين كونستان
وديتوكفيل وكارل بارث ورودولف بيلتمان وبول تلّيش وهانس كونغ، إلخ.
مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، شهد الفكر العربي تحوّلا جديداً تمثّل
في انحسار الأيديولوجيات العلمانية والعودة إلى التراث لمساءلته ونقده، وفي
خضم هذا التحوّل، خضع هذا التراث نفسه لتجاذبات ذات خلفيّة إيديولوجيّة،
لكنّه دفع أيضا إلى قيام قراءات نقديّة متحرّرة إلى حدّ ما من تلك
التجاذبات. وفي سياق هذا التوجّه النقديّ، تنزّلت دراساتنا وأعمالنا حول
القرن التاسع عشر، أو ما دعوناه بالتراث القريب، وقد سعينا إلى إعادة إبراز
بعض خصائصه الأساسيّة، ومنها الطابع الليبرالي والمنفتح، وقضية الإصلاح
الديني التي كانت قد طرحت بقوّة آنذاك، قبل أن تختفي أو تكاد في العصر
الأيديولوجي (القرن العشرين). لكنّنا سعينا أيضا إلى إعادة طرح قضيّة
الإصلاح الديني في علاقة بتطوّر الفكر الحديث، وربط مشروع الإصلاح الديني
الإسلامي بمشروع أوسع للإصلاح الديني الكوني، والتركيز على المحاور
التالية: إعادة كتابة تاريخ الأديان من منظور كونه تاريخاً مستمرّا للإصلاح
الديني- إبراز الحدوس الإصلاحيّة في الأديان الكونيّة – ربط الإصلاح
الديني الإسلامي بالإصلاح الديني الكوني.
وفي كتابنا "ديانة الضمير الفردي" دافعنا عن أطروحة مفادها أن جوهر
الإصلاح الديني هو الانتقال بالأديان من كونها تعبيرا عن هويّة جمعيّة إلى
جعلها تعبيرا عن التساؤل الفردي للإنسان حول القضايا الوجوديّة الكبرى،
وعلى هذا الأساس رفضنا فكرة وجود ديانات إصلاحية وديانات غير قابلة للإصلاح
الديني (أطروحة مارسيل غوشيه) واعتبرنا كل الأديان قد تحوّلت تاريخيا إلى
وعي جماعي لكنّها في حدوسها الأوّليّة كانت ديانات فرديّة، وهي قابلة لأن
تفعّل من جديد على هذا الأساس. وفي دراساتنا الأخرى ("محمد عبده"، "حفريات
تأويلية"، "الإسلام بين العنف والإصلاح"، "الإصلاحية الإسلامية"، ...)
سعينا إلى الدفاع عن أطروحة مفادها وجود "إسلام إصلاحي" متميّز عن أصولية
التراث وأصولية النصّ، وأنّ انحسار هذا الإسلام الإصلاحي لا يعود إلى عدم
قابلية الإسلام للإصلاح الديني، كما يقول البعض، بل إلى انحسار الليبرالية
الفكريّة عموما، باعتبار أن مشروع الإصلاح الديني في القرن التاسع عشر كان
مرتبطا بالتوجه الليبرالي الحديث الذي دافع عن مبادئ الحريّة والمواطنة
والتسامح، في صياغات علمانية لدى البعض، وإصلاحيّة دينيّة لدى البعض الآخر.
ومن هذا المنطلق، فإنّ إعادة تفعيل مشروع الإصلاح الديني في الإسلام يمثل
جزءًا من مشروع أكبر دعوناه "الحداثة النقديّة" التي تتسع للإصلاح الديني،
بدل الحداثة التقليديّة التي انطلقت من نظريات الأدوار التاريخية واعتبار
الدين دورا منقضيا (المراحل الثلاثة لأوغست كونت:
اللاهوت/الميتافيزيقيا/العلم).
ولن تقتصر المحاضرة على عرض هاتين الأطروحتين، لكنها ستقدّم أيضا نوعا
من نقد النقد أو النقد الذاتي، على أساس أنّ أطروحتي "الإصلاح الديني
الكوني" و"الحداثة النقديّة" لم تجدا قبولا واسعا لدى المثقفين، كما لم
تجدا قبولا كافيا لدى الرأي العام، رغم محاولاتنا في "التبسيط"
vulgarisation("مواقف من أجل التنوير"، "قواعد التنوير"، "التنوير
والثورة")، وهذا ما يدفع إلى التساؤل والمراجعة، إذ يبدو أن ظاهرة العولمة
قد فرضت ما ندعوه بالفهلوة الفكريّة التي بات من العسير معها طرح أطروحات
قائمة على العقلنة والبحث العلمي، وحوّلت الفكر إلى مجرّد بضاعة استهلاكية
تستمد قيمتها من القدرة على تلبية الحاجيات الآنية، وهذا تحدّ جديد وغير
مسبوق وقد يكون من العسير مواجهته.
المصدر: موقع مؤمنون بلاحدود
0 التعليقات:
إرسال تعليق